حوار جنيف يكشف وجهاً جديداً للأزمة.. حقوق الإنسان في كمبوديا بين تقارير أممية واعتراضات رسمية
حوار جنيف يكشف وجهاً جديداً للأزمة.. حقوق الإنسان في كمبوديا بين تقارير أممية واعتراضات رسمية
خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف قدّم المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في كمبوديا تقريره السنوي أمام المجلس، وتبعه حوار تفاعلي ركّز على تدهور مساحة الحريات السياسية والمدنية، والانعكاسات الإنسانية لانفلات بعض الممارسات الأمنية والاقتصادية، ورد مندوب كمبوديا في جنيف بالرفض، معتبراً أن التقرير "انتقائي" وأن البلاد في مرحلة إعادة بناء مؤسسات السلام والتنمية، في مقابل دعوة المقرر إلى اعتراف حقيقي بالتحديات ولإجراءات إنفاذ ومساءلة.
تقرير المقرر الخاص ورد الحكومة
تقرير المقرر الخاص (A/HRC/60/86) تناول الفترة الزمنية من يونيو 2024 حتى أوائل يونيو 2025، وسجّل شواهد على تراجع الحريات العامة في كمبوديا، واحتجاز أو تحجيم منظمات مدنية وقيادات مستقلة، ومخاوف متزايدة بشأن ممارسات تعسفية بحق مدنيين وعاملين مدنيين، ودعا التقرير إلى تحقيق مستقل ومستمر يجمع الأدلة ويصون شهادات الضحايا تمهيداً لأي مساءلة قانونية لاحقة وفق الأمم المتحدة.
الحكومة، عبر ممثلها الدائم، دَفعت بأن البلاد تحقق تقدماً اقتصادياً واجتماعياً وأن التقرير يبالغ في توصيف المخاطر، مؤكدة أهمية السلام والتنمية كأساس للحقوق، وتكرر هذا الموقف الرسمي في بيانات حكومية لاحقة التي شددت على إنجازات البنية التحتية والتعافي من سنوات النزاع، وفي المقابل اعتبرت منظمات حقوقية أن مثل هذا الرفض لا ينسف المؤشرات الموثقة للتضييق ضد المجتمع المدني والمعارضة.
جذور الأزمة
التقارير الحقوقية توضح تصاعد القيود في سياق هيمنة الحزب الحاكم على المؤسسات في كمبوديا، وانتقال السلطة من الزعماء القدامى إلى حكم مركّز سياسياً واقتصادياً، ووثقت منظمات حقوقية دولية أن السجون السياسية، وقوانين وإجراءات قضائية ضد ناشطين وصحفيين، وقيوداً تشريعية على حرية التجمع والتعبير، شكلت سياقاً مكنّ سياسات القمع من الاستمرار، كما أن حالات توقيف وادانة ناشطين بيئيين وصحفيين أظهرت نماذج واضحة للتعامل القضائي مع الأصوات الناقدة، وفق هيومن رايتس ووتش.
الاتجار والتجنيد عبر منصات رقمية
جانب جديد أضافه نقاش جنيف هو ظهور أنماط تجنيد عمال مهاجرين عبر منصات رسائل رقمية، بينها مجموعات على تيليغرام تُستخدم لإغراء الباحثين عن عمل بالعمل في كمبوديا ثم إخضاعهم لقيود شديدة على الحرية الشخصية وعملية مصادرة جوازات سفر، ورصدت تحقيقات وتقارير حالات جُنّد فيها مواطنون من دول أخرى واحتُجزوا عملاً بظروف تُوصف بالاستغلال القسري قبل أن تنقذهم سلطات أو تتحرّك قنوات قانونية للتحقيق، وهذا البُعد يوسع نطاق القلق من مسألة حقوق الإنسان لتشمل انتهاكات عمل وتهريب واستغلال عبر شبكات رقمية بحسب "Business & Human Rights Resource Centre".
مردود هذه الممارسات يتجسد في نشطاء ومحامون وأسر ملاحقين، والعاملون ضحايا استغلال، ومجتمعات محلية تفتقد قنوات دفاعية فعّالة، وتآكل الثقة في الجهاز القضائي وغياب آليات مستقلة للشكوى والتحقيق يترك من تضرروا دون وسائل فعالة للحصول على حقّهم أو استرداد كرامتهم، كما يزيد من تعرضهم للابتزاز والتعذيب أو الاستغلال الاقتصادي، وتقارير دولية أكدت أن معاناة المدنيين تتزايد عندما يلتقي تضييق الحريات مع شبكات استغلال عابرة للحدود.
ردود حقوقية ودولية
مؤسسات حقوقية دولية دعت إلى فتح تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بينما طالبت دول مشاركة في دورة المجلس بمزيد من الرصد وحماية الشهود والضحايا، وأعربت دول مثل المملكة المتحدة عن قلقها من التوترات الحدودية ومن قضايا الاتجار والعمل القسري، ودعت إلى إجراءات ملموسة لحماية الضحايا وضمان إنفاذ القانون، وأكدت هيئات أممية الحاجة لآليات توثيق تحفظ أدلة قابلة لاستخدام جنائي مستقبلياً.
كمبوديا طرف في كثير من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وهي أيضاً دولة طرف في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، مما يضع أمامها التزامات صريحة بحماية المدنيين ومنع الجرائم الدولية وتيسير المساءلة حين تفشل الآليات الوطنية وهذه الالتزامات تقترن بآليات أممية مثل مقرري حقوق الإنسان ولجان المعاهدات التي يمكن أن تضغط لتفعيل استجابة رسمية فعّالة.
خيارات المتابعة وآفاق المساءلة
المشهد الدولي يقدم عدداً من أدوات المساءلة من خلال تعزيز عمل المقرر الخاص وتوسيع نطاق رصد الانتهاكات، ودعم قدرات المنظمات الوطنية على التوثيق، وربط المساعدة التنموية بشروط احترام حقوق الإنسان، كما يبقى خيار المسارات القضائية الدولية قائماً بوصفه آلية تكملة إذا ثبت عدم قدرة الأجهزة الوطنية على التحقيق بصورة مستقلة ونزيهة، ودعت تقارير الخبراء في جنيف صراحة إلى حفظ الأدلة وشهادات الضحايا لضمان أن المسارات القانونية لا تفشل بسبب تدوّر الملفات أو تضاؤل الوثائق.
ما شهدته الدورة الستون لمجلس حقوق الإنسان وضع قضية كمبوديا مرة أخرى في بؤرة الانتباه الدولي، لكن التحوّل من تقارير إلى نتائج ملموسة يحتاج زمن تطبيق وإرادة سياسية دولية متواصلة وبقاء الانتهاكات دون مساءلة لا يضرّ فقط بضحايا بعينهم، بل يعرّض النسيج الاجتماعي لخلخلة طويلة الأمد ويمنح شبكات الاستغلال والتضييق مجالاً للتوسع، وبدورهم، تبقى أحكام القانون الدولي والالتزامات المعاهداتية أدوات مرجعية لقياس ما إذا كانت الخطوات القادمة ستنحو باتجاه حماية كرامة الناس أم نحو بقاء وضع قائم يضيق على الحقوق والحرية.










